التعايش ووباء التعصب الطائفي

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

لقد فطر الله الناس على حبّ الخصوصية، فكان التنوع سمة البشرية ومصدر غناها، وبدونه يعمّ التقليد والجمود. وفي الوقت نفسه، الإنسان كائن اجتماعي لا يكتمل إلا داخل جماعةٍ يتعلّم منها اللغة والقيم والمعايير، غير أن الاجتماع الإنساني محفوف بالانقسامات التي تولّدها المصالح والمذاهب والطوائف.

وقد أرشدنا الإسلام إلى تحويل هذا الاختلاف إلى وسيلة للتعارف والتكامل، وجعل أساس العيش المشترك قائمًا على العدل والإحسان؛ العدل في الحقوق والواجبات، والإحسان في الرحمة والجمال والرفق. فالاختلاف ابتلاءٌ إلهيّ، يميز الله به العادلين والمحسنين من الظالمين والمتعصبين.

إن ما نشهده اليوم من تفككٍ اجتماعيٍّ وصراعاتٍ طائفيةٍ وعنصريةٍ أودت بحياة الألوف وهجّرت الملايين، يستدعي عملاً فكريًا جادًا لترسيخ ثقافة العيش المشترك ومواجهة العصبيات المدمّرة.

ومن هنا جاءت فكرة هذا الكتاب، دعوةً إلى إنشاء حلفٍ ثقافيٍّ جامع يتعاون فيه المصلحون والمثقفون من مختلف المكوّنات، لبناء وعيٍ جديدٍ يقوم على التسامح والتكامل، وإحياء روح الأخوة الإنسانية التي دعا إليها الإسلام.